فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

وللشافعي في قوله: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها من العامِّ الذي يجري على عمومه في إباحة كل بيع وتحريم كل ربا إلا ما خصهما دليل من تحريم بعض البيع وإحلال بعض الربا، فعلى هذا اختلف في قوله، هل هو من العموم الذي أريد به العموم، أو من العموم الذي أريد به الخصوص على قولين:
أحدهما: أنه عموم أريد به العموم وإن دخله دليل التخصيص.
والثاني: أنه عموم أريد به الخصوص.
وفي الفرق بينهما وجهان: أحدهما: أن العموم الذي أريد به العموم: أن يكون الباقي من العموم من بعد التخصيص أكثر من المخصوص، والعموم الذي أريد به الخصوص أن يكون الباقي منه بعد التخصيص أقل من المخصوص.
والفرق الثاني: أن البيان فيما أريد به الخصوص متقدِّم على اللفظ، وأن ما أريد به العموم متأخِر عن اللفظ ومقترن به، هذا أحد أقاويله:
والقول الثاني: أنه المجمل الذي لا يمكن أن يستعمل في إحلال بيع أو تحريمه إلا أن يقترن به بيان من سنّة الرسول، وإن دل على إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل.
وهذا فرق ما بين العموم والمجمل، أن العموم يدل على إباحة البيوع في الجملة ولا يدل على إباحتها في التفصيل حتى يقترن به بيان.
فعلى هذا القول أنها مجملة اختلف في إجمالها، هل هو لتعارض فيها أو لمعارضة غيرها لها على وجهين:
أحدهما: أنه لمَّا تعارض ما في الآية من إحلال البيع وتحريم الربا وهو بيع صارت بهذا التعارض مجملة وكان إجمالها منها.
والثاني: أن إجمالها بغيرها لأن السنّة منعت من بيوع وأجازت بيوعًا فصارت بالسنة مجملة.
وإذا صح إجمالها فقد اختلف فيه:
هل هو إجمال في المعنى دون اللفظ، لأن لفظ البيع معلوم في اللغة وإنما الشرع أجمل المعنى والحكم حين أحل بيعًا وحرّم بيعًا.
والوجه الثاني: أن الإجمال في لفظها ومعناها، لأنه لما عدل بالبيع عن إطلاقه على ما استقر عليه في الشرع فاللفظ والمعنى محتملان معًا، فهذا شرح القول الثاني.
والقول الثالث: أنها داخلة في العموم والمجمل، فيكون عمومًا دخله التخصيص، ومجملًا لحقه التفسير، لاحتمال عمومها في اللفظ وإجمالها في المعنى، فيكون اللفظ عمومًا دخله التخصيص، والمعنى مجملًا لحقه التفسير.
والوجه الثاني: أن عمومها في أول الآية من قوله: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وإجمالها في آخرها من قوله: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}، فيكون أولها عامًا دخله التخصيص، وآخرها مجملًا لحقه التفسير.
والوجه الثالث: أن اللفظ كان مجملًا، فلما بَيَّنَهُ الرسول صار عامًا، فيكون داخلًا في المجمل قبل البيان، في العموم بعد البيان. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا} هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس لا للعهد إذ لم يتقدّم بيع مذكور يُرجع إليه؛ كما قال تعالى: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} ثم استثنى {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} [العصر: 2].
وإذا ثبت أن البيع عام فهو مخصّص بما ذكرناه من الربا وغير ذلك مما نُهي عنه ومنع العقد عليه؛ كالخمر والميتة وحبلَ الحَبَلة وغير ذلك مما هو ثابت في السُّنُّة وإجماع الأُمة النَّهيُ عنه.
ونظيره {اقتلوا الْمُشْرِكِينَ} وسائر الظواهر التي تقتضي العمومات ويدخلها التخصيص، وهذا مذهب أكثر الفقهاء.
وقال بعضهم: هو من مجمل القرآن الذي فسّر بالمحلّل من البيع وبالمحرّم فلا يمكن أن يُستعمَل في إحلال البيع وتحريمه إلا أن يقترن به بيانٌ من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن دلّ على إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل.
هذا فرق ما بين العموم والمُجْمَل.
فالعموم يدل على إباحة البيوع في الجملة والتفصيل ما لم يخصّ بدليل.
والمجمل لا يدل على إباحتها في التفصيل حتى يقترن به بيان.
والأوّل أصح. والله أعلم. اهـ.
وقال القرطبي:
قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الربا} الألف واللام هنا للعهد، وهو ما كانت العرب تفعله كما بيّناه، ثم تتناول ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه من البيع الذي يدخله الربا وما في معناه من البيوع المنهيّ عنها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الظاهر أنّ الآية لم يُقصد منها إلاّ ربا الجاهلية، وأنّ ما عداه من المعاملات الباطلة التي فيها أكل مال بالباطل مُندرجة في أدلة أخرى. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كان الوعظ كما قال الحرالي دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق بما يخوفها ويقبضها في مقابلة التذكير بما يرجيها ويبسطها، وكان فيما أخبر به سبحانه وتعالى عن حال المربي أتم زاجر لأن أجلّ ما للإنسان بعد روحه عقله سبب عن ذلك قوله: {فمن جاءه} قال الحرالي: أطلق الكلمة من علامة التأنيث النازل الرتبة ترفيعًا لقدر هذه الموعظة الخفية المدرك العظيمة الموقع {موعظة} بناء مبالغة وإعلاء لما أشعرت المفعلة الزائدة الحروف على أصل لفظ الوعظ بما يشعر به الميم من التمام والهاء من الانتهاء، فوضع الأحكام حكمة، والإعلام بثمراتها في الآخرة موعظة تشوق النفس إلى رغبتها ورهبتها- انتهى.
ولما كان التخويف من المحسن أردع لأن النفس منه أقبل قال: {من ربه} أي المربي له المحسن إليه بكل ما هو فيه من الخير.
قال الحرالي: في إشعاره أن من أصل التربية الحمية من هذا الربا- انتهى.
{فانتهى} أي عما كان سببًا للوعظ.
قال الحرالي: أتى بالفاء المعقبة فلم يجعل فيه فسحة ولا قرارًا عليه لما فيه من خبل العقل الذي هو أصل مزية الإنسانية وإن لم يشعر به حكماء الدنيا ولا أطباؤها- انتهى.
ولما كان السياق بما أرشد إليه التعليل بقوله: {ذلك بأنهم قالوا} دالًا على أن الآية في الكفرة وأن المراد بالأكل الاستحلال أكد ذلك بقوله: {فله ما سلف} أي من قبيح ما ارتكبه بعد أن كان عليه ولا يتبعه شيء من جريرته لأن الإسلام يجب ما قبله وتوبة المؤمن لا تجب المظالم.
قال الحرالي: والسلف هو الأمر الماضي بكليته الباقي بخلفه، وقال: في إعلامه إيذان بتحليل ما استقر في أيديهم من ربا الجاهلية ببركة توبتهم من استئناف العمل به في الإسلام لما كان الإسلام يجب ما قبله، وفي طيّ إشعاره تعريض برده لمن يأخذ لنفسه بالأفضل ويقوي إشعاره قوله: {وأمره إلى الله} انتهى، أي فهو يعامله بما له من الجلال والإكرام بما يعلمه من نيته من خلوص وغيره.
ولما كان المربون بعد هذه الزواجر بعيدين من رحمة الله عبر عنهم سبحانه وتعالى بأداة البعد في قوله: {ومن عاد} أي إلى تحليل الربا بعد انتهائه عنه نكوبًا عن حكمة ربه {فأولئك} أي البعداء من الله: {أصحاب النار} ولما كانت نتيجة الصحبة الملازمة قال: {هم فيها خالدون}. اهـ.

.قال الفخر:

في التأويل وجهان:
الأول: قال الزجاج: أي صفح له عما مضى من ذنبه من قبل نزول هذه الآية، وهو كقوله: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وهذا التأويل ضعيف لأنه قبل نزول الآية في التحريم لم يكن ذلك حرامًا ولا ذنبًا، فكيف يقال المراد من الآية الصفح عن ذلك الذنب مع أنه ما كان هناك ذنب، والنهي المتأخر لا يؤثر في الفعل المتقدم ولأنه تعالى أضاف ذلك إليه بلام التمليك، وهو قوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} فكيف يكون ذلك ذنبًا الثاني: قال السدي: له ما سلف أي له ما أكل من الربا، وليس عليه رد ما سلف، فأما من لم يقض بعد فلا يجوز له أخذه، وإنما له رأس ماله فقط كما بينه بعد ذلك بقوله: {وإِن تبتم فلكم رؤوؤس أموالكم} [البقرة: 279]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعنى {فله ما سلف}، أي ما سلف قبْضُه من مال الربا لا ما سلف عقده ولم يُقبض، بقرينة قوله الآتي {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} [البقرة: 279].
وقوله: {وأمره إلى الله} فرَضَوا فيه احتمالات يرجع بعضها إلى رجوع الضمير إلى {من جاءه} وبعضها إلى رجوعه إلى ما سلف، والأظهر أنّه راجع إلى من جاءه لأنّه المقصود، وأنّ معنى {وأمره إلى الله} أنّ أمر جزائه على الانتهاء موكول إلى الله تعالى، وهذا من الإيهام المقصود منه التفخيم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَمْرُهُ إِلَى الله} فيه أربع تأويلات: أحدها أن الضمير عائد إلى الربا، بمعنى وأمر الربا إلى الله في إمرار تحريمه أو غير ذلك.
والآخر أن يكون الضمير عائدًا على {ما سلف} أي أمره إلى الله تعالى في العفو عنه وإسقاط التَّبِعة فيه.
والثالث أن يكون الضمير عائدًا على ذي الربا، بمعنى أمره إلى الله في أن يثبته على الانتهاء أو يعيده إلى المعصية في الربا.
واختار هذا القول النحاس، قال: وهذا قول حسن بيِّن، أي وأمرُه إلى الله في المستقبل إن شاء ثبّته على التحريم وإن شاء أباحه.
والرابع أن يعود الضمير على المنتهى؛ ولكن بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير؛ كما تقول: وأمره إلى طاعة وخير، وكما تقول: وأمره في نموّ وإقبال إلى الله تعالى وإلى طاعته. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَأَمْرُهُ إِلَى الله} ففيه وجوه للمفسرين، إلا أن الذي أقوله: إن هذه الآية مختصة بمن ترك استحلال الربا من غير بيان أنه ترك أكل الربا، أو لم يترك، والدليل عليه مقدمة الآية ومؤخرتها.
أما مقدمة الآية فلأن قوله: {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ فانتهى} ليسس فيه بيان أنه انتهى عماذا فلابد وأن يصرف ذلك المذكور إلى السابق، وأقرب المذكورات في هذه الكلمة ما حكى الله أنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا، فكان قوله: {فانتهى} عائدًا إليه، فكان المعنى: فانتهى عن هذا القول.
وأما مؤخرة الآية فقوله: {وَمَنْ عَادَ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} ومعناه: عاد إلى الكلام المتقدم، وهو استحلال الربا {فأمره إِلَى الله} ثم هذا الإنسان إما أن يقال: إنه كما انتهى عن استحلال الربا انتهى أيضًا عن أكل الربا، أو ليس كذلك، فإن كان الأول كان هذا الشخص مقرًا بدين الله عالمًا بتكليف الله، فحينئذ يستحق المدح والتعظيم والإكرام، لكن قوله: {فأمره إِلَى الله} ليس كذلك لأنه يفيد أنه تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فثبت أن هذه الآية لا تليق بالكافر ولا بالمؤمن المطيع، فلم يبق إلا أن يكون مختصًا بمن أقر بحرمة الربا ثم أكل الربا فههنا أمره لله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وهو كقوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} فيكون ذلك دليلًا ظاهرًا على صحة قولنا أن العفو من الله مرجو. اهـ.